تعصف
بالقضية الفلسطينية حالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ
انتصاب الكيان الصهيوني..عوامل عديدة لعبت دورا في الوصول الى هذه الحالة,
وحتى أضع النقاط على الحروف وللانصاف أقول بأن العوامل الفلسطينية كان لها
الأثر الكبير في ذلك ، وآخرها الاقتتال الفلسطيني الداخلي وما نتج عنه من
انفصال ما تبقى من الوطن المحتل الى قسمين منفصلين سياسيا وجغرافيا.
الحصار
المفروض على قطاع غزة دخل عامه الرابع على مرأى ومسمع من السلطة في رام
الله والعالمين العربي والاسلامي, فالدول العربية والاسلامية لا تملك غير
الاستنكار والشجب والمطالبات التي لا تغني ولا تسمن من جوع, ولا ننكر هنا
بعض المساعدات التي قدمتها بعض الدول العربية كالأردن مثلا ,وخاصة بعد
الاجتياح الصهيوني الوحشي الأخير لقطاع غزة, الا أن التحرك الغربي لكسر هذا
الحصار ممثلا بأحراره وببعض جماعاته الانسانية والديمقراطية كان أكثر
بروزا..إنهم أصبحوا عربا ومسلمين أكثر من العرب والمسلمين أنفسهم, فهكذا هم
الأحرار لا تفرقهم الحدود الجغرافية والأصول الدينية والعرقية..وهذا ما لا
نفهمه إطلاقا عندما نتكلم عن الأمة العربية التي تمتلك كل مقومات الوحدة ،
ولكن هذه الأمة والوحدة عبارة عن خطين متوازيين لا يلتقيان مهما امتدا.
عندما
حاول الغزاويون كسر الحصار المفروض عليهم قام الكيان الصهيوني الغادر
بارتكاب مجزرة وحشية بحقهم استمرت ثلاثة أسابيع خلفت المئات من الشهداء
والآلاف من الجرحى والمعوقين ، ناهيك عن تدمير
البنية التحتية, وللأسف شاركت مصر" الرسمية" الصهاينة بجريمتهم هذه
بإغلاقها المعابر في وجه الفارين من الة البطش الصهيونية والجرحى والمرضى ،
وهددت بكسر عظام كل من يحاول اقتحام المعابر, وبعد ذلك قامت ببناء الجدار
الفولاذي حفاظا على أمنها القومي, وهو الحفاظ غير المباشر على الأمن القومي
الصهيوني.
إن الدولة العبرية طغت وتجبرت ووصلت الى حد لا يمكن السكوت عليه، فهي تعتبر نفسها "شعب الله المختار" في الأرض الذي يحق له أن يمارس كافة أنواع الاضطهاد والذل لغيره من الشعوب ،ولا
أحد يجرؤ على محاسبته..إن الكيان الصهيوني لا يعتبرنا نحن بالأخص أي
الشعوب العربية والاسلامية جميعا أمة نستحق الحياة ، ولهذا فهو يمارس جميع
أنواع القتل والتشريد والإبادة ، ولا يبالي بأي اعتراض أو استذكار, ولم لا
وهو يرانا نقتتل فيما بيننا وقرارات قممنا حبر على ورق, ونهرول وراءه من
أجل التطبيع معه, وكل ما نملك عمله هو ترديد" نستنكر, نشجب ونطالب".
الوضع المأساوي لأهلنا في غزة هاشم
جعل أحراراً من شعوب العالم ينتمون الى أربعين دولة يتحركون من أجله،
فقاموا بتنظيم أسطولهم البحري السلمي لإيصال المساعدات الانسانية الى غزة
المنكوبة.
مشهد
القرصنة الصهيونية كان جليا وواضحا حينما غزت سفنها الحربية أسطول الحرية
البحري وفي المياه الدولية, مدعية بأن هذا الأسطول يحمل"إرهابيين" مسلحين
أتوا ليساعدوا حماس, وأن من كانوا على متن هذا الأسطول هم
الذين بادروا باستعمال السلاح ضد جنود الصهاينة الغزاة..إنهم يستخدمون
بجدارة مقولة غوبلز وزير الدعاية الألماني في عهد هتلر:"أكذب ثم أكذبثم
أكذب ، فلا بد من أن يصدق الناس في النهاية", وبهذا وكعادتهم حولوا أنفسهم
من جلادين الى ضحايا, ولا أستغرب بأن يقوموا بمطالبة الأربعين دولة
بتعويضات عما لحق بهم.
ردود الفعل الرسمية العربية والاسلامية وكالعادة لم تكن كما يجب أن تكون, وبصراحة مؤلمة وحارقة لم نتوقع أن تكون عكس ما كانت عليه,
ولا نطالب القادة والزعماء العرب بشن حرب على الكيان الصهيوني ؛ لأنهم
ضعفاء تبعيون ولا يملكون اتخاذ القرارات, فاللوبي الصهيو-أمريكي يحركهم كما
يحرك لاعب الشطرنج المحترف حجارته.
لا
أحد ينكر بأن هذه القرصنة الوحشية الصهيونية كان لها تداعيات فيها نوع من
الإيجابية على المستويات الفلسطينية والاقليمية والدولية, فالفصائل
الفلسطينية جميعها بما فيها حركتا فتح وحماس اتفقت على أنه حان الوقت
لإعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية ، فهي السلاح الأقوى في مواجهة قتلة
الأبرياء والأطفال والنساء..قتلة أصحاب الضمير وعاشقي الحرية والتحرر
والمدافعين عن حقوق الانسان.
مصر"مكره أخاك لا بطل" قامت بفتح معبر رفح الحدودي مع غزة, والكويت تطالب بسحب ما يسمى بالمبادرة العربية للسلام, وعمرو
موسى يؤكد بأن الوقت حان ليفهم العرب أن الكيان الصهيوني لا يفهم لغة
المفاوضات والسلام بل لغة القوة, وبعض الدول العربية تطالب بعقد قمة عربية
طارئة, والأردن يعلن عن استعداده لمعالجة جميع جرحى أسطول الحرية.
إنها
نقطة تحول ولكننا كنا نأمل أن نشاهد مواقف عربية وإسلامية أكثر صلابة كما
أسلفت, فالموقف التركي الشعبي والرسمي كان مشرفا, فها هو رجب طيب أردوغان
رئيس وزراء تركيا يصرح بأن هذا الهجوم الوحشي على أسطول الحرية هو"نقطة
سوداء في تاريخ الانسانية, فشن هجوم مسلح على سفن مساعدات وقتل مدنيين
ومعاملة مدنيين كما لو أنهم إرهابيون ليس إلا تدهورا للإنسانية وتهوراً
دنيئاً، فحتى الحروب لها قواعد ، ولا يمكن لأحد أن يهاجم أطفالاً ونساء
ومسنين ومدنيين ورجال دين وعمال إغاثة، وحتى المستبدين واللصوص والقراصنة
يتمتعون بشيء من الحساسية ، ويلتزمون ببعض المبادئ الإنسانية".
وطالب أردوغان المجتمع الدولي ببدء تحقيق في الهجوم بدلاً من انتظار عمل حكومة"لم تخجل من جرائمها".
وقال : إن"تركيا ليست دولة جديدة التأسيس، ولا يفترض بأحد أن يختبر صبر تركيا، فصداقتها قيمة لكن عداءها عنيف".
نعم,
لقد ارتكب الصهاينة جريمة حرب تضاف الى جرائمهم التي لا تعد ولا تحصى, ومن
هنا يجب على المحاكم الدولية محاكمة القادة الصهاينة السياسيين والعسكريين
الذين اخترقوا واعتدوا على المياه الدولية، وبذلك اعتدوا على القوانين
والشرائع الدولية ؛ لأنهم يستحقون المحاكمة والعقاب..إنها فرصة ثمينة يتوجب
على الأمتين العربية والاسلامية والمجتمع الدولي الحر استغلالها وعدم
خسارتها.
هذا الموقف البطولي لرجب طيب أردوغان"ابن الأناضول" ليس بجديد عليه, فالجميع يذكر موقفه بعيد المجزرة الصهيونية على غزة ، وعندما انسحب من قمة"دافوس" السويسرية مخاطبا رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريس:"إنكم قتلة أطفال ، ولا يمكن الجلوس بجانبكم"..
ومن
هنا يتوجب علينا أن نرسل شكرنا وتحياتنا الى الشعب التركي العظيم وقواه
المناضلة النابضة, والشكر الخاص الى ابن الأناضول ورفيقه عبدالله غول,
فتركيا هي التي تبنت قوافل أسطول الحرية وسخرت موانئها كنقطة انطلاق لها,
إنها خطوة مليئة بالجرأة تفتقر اليها الغالبية العظمى من الدول العربية
وخاصة الكبيرة منها.
وبالعودة الى ما افتتحت به مقالي هذا أقول بأن خلافاتنا الداخلية لعبت دورا مركزيا في الوصول الى ما وصلنا اليه,
فالعدو استغل بذكاءه وثعلبته وضعنا المتشرذم وقام بصب الكاز على النار ولا
يزال, ومن هنا نطالب وبشكل فوري وقف المفاوضات معه وبكل صورها وإعادة
اللحمة الوطنية الفلسطينية وبدون شروط مسبقة, فوحدتنا هي السلاح الوحيد
والأوحد في مواجهته ، وهي التي ستنهي حالة الحصار المفروض على غزة, وهي
التي ستجعله يفكر مليون مرة قبل أن يقوم بأية خطوة قد تمس بنا.
والى أبناء غزة المحاصرين أقول بأن صمودكم وصبركم ومقاومتكم لأبشع وأظلم حصار عرفه التاريخ المعاصر، ودعم
أبطال الحرية لكم سوف لن يكسر هذا الحصار فقط, بل سيحقق عودتكم الى حيفا
ويافا وعكا والقدس وكافة بقاع فلسطين, فالعد التنازلي للصهاينة قد بدأ,
والتاريخ علمنا بأن قوى الظلم والاحتلال وإن عظمت وطالت فهي الى الزوال,
وما بعد الليل الا بزوغ الفجر.
تحية
الى كل المناضلين الأحرار الذين ركبوا البحر وخاطروا بأرواحهم من أجل فك
الحصار..المجد والخلود لشهداء الحرية الأبطال..وتحية الى كل الشرفاء العرب
الذين انتفضوا دفاعا عن غزة ومن وقف معها..الخزي والعار للعرب المتصهينين
الذين أيدوا ودعموا القرصنة الصهيونية, هؤلاء ستقذفهم جرافات التاريخ الى
مزابله, وبئس المصير.
تحياتي